تحليلات وتقاريرتحليلات وتقارير

ظاهرة التنمر ومكافحتها في المدارس: تجربة الدول العربية وواقع العراق

بغداد/ روافدنيوز

تشكل المدارس البيئة الأساسية لتنشئة الأجيال القادمة، ليس فقط من حيث التعليم الأكاديمي، بل أيضًا من حيث القيم والسلوكيات الاجتماعية والأخلاقية. ومن هذا المنطلق، فإن أي تهديد لسلامة الطلاب النفسية أو الجسدية داخل المدارس يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمع بأسره.

ومن بين أبرز هذه التهديدات ظاهرة التنمر، التي تتراوح أشكالها بين الإيذاء الجسدي، والإساءة اللفظية، والعزل الاجتماعي، وصولًا إلى التنمر الإلكتروني عبر وسائل التواصل الحديثة.

لقد أدركت دول عديدة حول العالم، من بينها الإمارات، السعودية، ولبنان، أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب نهجًا متكاملًا يجمع بين الإطار القانوني الصارم، والإجراءات التربوية الوقائية، والدعم النفسي والإرشاد الطلابي، فضلاً عن إشراك الأسرة والمجتمع المدني في جهود الرقابة والتوعية.

وتؤكد الدراسات أن وجود سياسات واضحة لحماية الطفل داخل المدارس لا يضمن فقط بيئة تعليمية آمنة، بل يساهم أيضًا في تعزيز النمو النفسي والاجتماعي للطلاب، ويقوي ثقتهم بأنفسهم ويحفزهم على المشاركة الفعالة داخل المجتمع.

الامارات

في الوقت الذي تسعى فيه دولة الإمارات إلى ترسيخ بيئة تعليمية آمنة وصحية، وضعت السلطات المختصة أُطراً قانونية صارمة لمكافحة أي شكل من أشكال الإساءة أو التنمر داخل المدارس، سواء الحكومية أو الخاصة.

وتشمل هذه التدابير تطوير السياسات الوطنية لحماية الطفل، وإطلاق قنوات رسمية للإبلاغ عن التجاوزات عبر أرقام الطوارئ والخطوط الساخنة، إلى جانب فرض عقوبات مالية وجنائية قد تصل إلى إغلاق المدرسة أو سجن المتورطين.

وفي هذا السياق، أكد معتز فانوس، محامي مستشار قانوني، أن الإمارات وضعت إطاراً قانونياً متكاملاً لحماية الطلبة في المؤسسات التعليمية من أي شكل من أشكال الإساءة أو العنف النفسي والجسدي، بما في ذلك التنمر والإهمال والاستغلال.

وقال إن السياسة الوطنية لحماية الطفل في المؤسسات التعليمية تُلزم المدارس بتوفير بيئة تعليمية آمنة، مع تخصيص منسق لحماية الطفل، ووضع آليات واضحة للإبلاغ عن أي انتهاكات عبر أرقام الطوارئ التابعة لوزارة الداخلية أو الخط الساخن التابع لوزارة التربية والتعليم.

وأوضح فانوس أن القوانين الاتحادية كمرسوم قانون اتحادي رقم 18 لسنة 2020 بشأن التعليم الخاص، وقانون وديمة لحماية الطفل، إضافة إلى لوائح إدارة سلوك الطلبة، تضع عقوبات صارمة ضد المخالفات المدرسية. وتتنوع هذه العقوبات بين الإنذارات والغرامات المالية التي تبدأ من 10 آلاف درهم وتصل إلى مليون درهم، مروراً بإمكانية إيقاف المدرسة أو إغلاقها فوراً، وصولاً إلى السجن لمدة تصل إلى عام كامل في الحالات الجسيمة التي تثبت فيها إساءات بدنية أو نفسية أو جنسية بحق الطلبة.

وأشار إلى أن “العقوبات لا تقتصر على المدرسة كمؤسسة، بل تشمل كذلك المسؤولين والعاملين في حال ثبوت تقصيرهم أو تورطهم في ممارسة العقاب البدني، أو الحرمان من الطعام، أو منع الطلاب من استخدام المرافق الأساسية، أو أي سلوك يرقى إلى مستوى الإهانة أو الإذلال”.

السعودية

قد أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا خاصًا لهذه القضية من خلال سن قوانين وتشريعات تفرض عقوبات صارمة على المتورطين في أعمال التنمر، سواء كانوا طلابًا أو معلمين.

وفي لبنان، بادر النائب هاكوب ترزيان باقتراح قانون لتجريم التنمر، وهي الخطوة الأولى من نوعها في البلاد. يهدف القانون إلى التصدي لظاهرة متفاقمة تهدد السلامة النفسية والاجتماعية للطلاب والمجتمع على حد سواء. ويؤكد الخبراء أن مثل هذه المبادرات تعكس تزايد الوعي بأهمية حماية الأطفال من الإساءة داخل البيئة التعليمية.

واقع التنمر في المدارس العراقية

على الرغم من الجهود التي تبذلها بعض الدول، فإن العراق يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بظاهرة التنمر المدرسي. يؤكد العديد من الأهالي أن أبنائهم يتعرضون إلى سلوكيات مؤذية من زملائهم في المدارس العراقية، تراوح بين السخرية والتهميش، وتمتد أحياناً إلى أشكال أكثر قسوة ترتبط بالهوية أو المظهر الجسدي.

داخل الفصول الدراسية، يقف المعلمون في الصف الأول من المواجهة اليومية مع التنمر، فهم الأكثر معرفة بتفاصيل الحياة اليومية للطلاب، ويرون بأعينهم ما قد يغيب عن الأهل أو الإدارات التربوية.

ولا يقتصر الأمر على الطلبة فيما بينهم وحسب، فالأساتذة يسهمون أيضاً بإطلاق عبارات التنمر على الطلبة والتلاميذ بشكل مباشر، أو من خلال إلقاء الدروس بطريقة تهكمية تمنع مشاركة وتفاعل الطلبة.

وأسهمت ظاهرة التنمر بترك أعداد من الطلبة والتلاميذ مقاعدهم الدراسية لتجنب زملائهم الذي يسخرون منهم ويطلقون عليهم عبارات “صادمة” وكذلك الى الانتحار ايضاً.

ويعود شيوع هذه الظاهرة إلى انتشار مقاطع السخرية على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى عدم وجود ضوابط أسرية وتربوية تحفز الطلبة على عدم استخدام مفردات غير لائقة بحق زملائهم وأساتذتهم، فيما يسهم غياب القوانين الرادعة تفاقم تلك الظاهرة وانتشارها في العديد من المدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية بشكل لم يكن مألوفاً في المدارس العراقية سابقاً.

ويشير المتحدث باسم وزارة التربية العراقية، كريم السيد في حديث سابق، إلى أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بهذه الظاهرة. وقال: “هذا الموضوع من أهم المواضيع التي تشغل وزارة التربية، والتي توجه سنويًا توصيات بخصوص مراعاة حسن التعامل في المدارس ومراعاة الجوانب الاعتبارية بين الطلبة والمعلمين والمدرسين”.

كما لفت السيد إلى أن الوزارة تشدد على مراعاة الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة عبر كتب رسمية توجه إلى إدارات المدارس، فضلاً عن دور الإشراف التربوي في متابعة هذه الحالات خلال الزيارات الميدانية للمشرفين لتقييم واقع المدارس وتلقي الشكاوى الخاصة بهذا الشأن. وأكد أن وظيفة الإرشاد التربوي تعد وظيفة اجتماعية مهمة تهدف إلى التعرف على مشاكل الطلبة والعمل على حلها، وأن الوزارة تعمل بشكل دائم على معالجة هذا الملف بمختلف الأدوات والوسائل بغية الحد من جميع الحالات التي قد تصيب الطلبة أو المعلمين بالضرر النفسي والجسدي.

وأقرت منظمة اليونسكو يوماً دولياً لمكافحة العنف والتنمر في المدارس، بما في ذلك التنمر الإلكتروني، الذي يصادف السابع من نوفمبر/تشرين الثاني. ودعت المنظمة إلى تكثيف الجهود لحماية الطلاب من جميع أشكال العنف الجسدي واللفظي والنفسي الذي يهدد بيئتهم التعليمية ويؤثر على صحتهم النفسية. وشددت في تقرير لها على ضرورة تعزيز حماية الطلاب من ظاهرة التنمر، بما يشمل تطوير آليات الرصد والتقارير داخل المدارس، وإنشاء برامج تعليمية توعوية لتثقيف الطلبة والمعلمين على حد سواء حول مخاطر التنمر وطرق التعامل معه.

ويشير الخبراء إلى أن التنمر الإلكتروني أصبح أحد التحديات الحديثة في البيئة المدرسية، خاصة مع الانتشار الكبير للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي بين الطلاب. وقد لاحظت الدراسات أن الأطفال الذين يتعرضون للتنمر عبر الإنترنت أكثر عرضة للاضطرابات النفسية والاكتئاب، مما يؤكد الحاجة إلى قوانين صارمة وإجراءات وقائية في هذا المجال.

وتؤكد التجارب في الإمارات والسعودية ولبنان أن وضع الأطر القانونية الواضحة والصرامة في العقوبات، إلى جانب تفعيل دور الإرشاد التربوي والإشراف الدوري على المدارس، يساهم بشكل كبير في الحد من التنمر. ويبرز هذا النهج أهمية دمج المجتمع المدني وأولياء الأمور في جهود الوقاية من التنمر، حيث يشكل التفاعل بين المدرسة والأسرة عنصرًا حاسمًا في حماية الأطفال وتعزيز وعيهم بحقوقهم وواجباتهم.

التحديات في العراق

رغم الجهود المبذولة، فإن العراق لا يزال يواجه تحديات عدة، أهمها نقص التشريعات الحديثة التي تتعامل مع التنمر بشكل صريح، وعدم وجود آليات واضحة للإبلاغ وحماية الطلاب المبلغين عن الانتهاكات. كما أن بعض المدارس لا تلتزم بممارسات التوعية والتدريب المستمر للمعلمين والطلاب حول هذه القضية، ما يزيد من تفاقم الظاهرة.

ويتطلب الوضع العراقي – بحسب خبراء – تبني سياسات شاملة تشمل وضع تشريعات واضحة لمكافحة التنمر، وإنشاء مراكز إرشاد وتدخل سريع في المدارس، وتوفير خطوط ساخنة وآليات للإبلاغ عن أي انتهاك. كما ينبغي تعزيز برامج تدريب المعلمين والإداريين على كيفية التعرف على التنمر ومعالجته بطرق علمية ونفسية، إلى جانب حملات توعية تستهدف الطلاب والأهل على حد سواء.

كما يشكل الإرشاد التربوي أداة رئيسية في معالجة التنمر، إذ يساعد الطلاب على التعبير عن مشاكلهم النفسية والاجتماعية، ويوفر لهم الدعم النفسي المطلوب. كما يتيح الإرشاد التربوي للمعلمين والإداريين معرفة ديناميكيات الفصول، والتدخل عند ظهور سلوكيات تنمرية قبل أن تتفاقم. ويشير خبراء التربية إلى أن برامج الإرشاد التربوي الناجحة تعتمد على تواصل دائم مع الطلاب وأولياء الأمور، ودمج النشاطات اللامنهجية التي تعزز مهارات التواصل وحل النزاعات بين الطلبة.

وفي النهاية يمكن القول، ان التجارب الدولية تظهر أن مكافحة التنمر في المدارس تتطلب مزيجاً من القوانين الصارمة، والرقابة الفعالة، والدعم النفسي والتربوي للطلاب، إلى جانب مشاركة الأسرة والمجتمع المدني. وتجربة الإمارات نموذج رائد في هذا المجال من خلال توفير بيئة تعليمية آمنة، وآليات قانونية صارمة، وعقوبات واضحة للمتورطين، مع تفعيل دور الإرشاد التربوي.

في العراق، ومع أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بهذه القضية، إلا أن الحاجة ما زالت قائمة لوضع تشريعات حديثة وآليات متابعة دقيقة، إلى جانب برامج توعية مستمرة تستهدف الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور. ويظل الإرشاد التربوي والرقابة المستمرة أدوات فعالة لمواجهة هذه الظاهرة وحماية الأطفال من أي إساءة أو تنمر.

ويؤكد خبراء التربية أن مكافحة التنمر ليست مسؤولية وزارة التربية وحدها، بل تتطلب تكاتف جميع الجهات ذات الصلة، بما في ذلك الأسرة، والإعلام، والمجتمع المدني، والأجهزة الأمنية، لضمان أن تكون المدارس بيئة تعليمية صحية وآمنة لجميع الطلاب، خالية من أي تهديد نفسي أو جسدي، تعزز نموهم النفسي والاجتماعي، وتعدهم لمستقبل ناجح ومسؤول./انتهى

Rawafed News

وكالة روافد نيوز الإخبارية” وكالة عراقية بنكهة عربية اصيلة لاتمثل ولاتمت باي صلة لاي جهة حزبية او سياسية سواء داخل وخارج العراق هدفها نقل الحقائق كما هي دون تزييف او رتوش تنبذ العنف والطائفية والاستغلال البشرية وتعمل على نشر مفاهيم المحبة والامن والسلام في العالم وتحترم خاصية كل الاديان والطوائف والمذاهب وتعزز من الروابط الاجتماعية بين الناس

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x