مقالات

سورية الجديدة: طريق الحرية والعدالة التي لا عودة عنها

المانيا/ رافدين نيوز/ أحمد خليف

سورية الجديدة ليست مجرد فكرة حالمة أو شعار يُرفع في الميادين، بل هي قدرٌ كُتب على هذا الشعب العظيم أن يناضل لأجله بدمائه وأحلامه وآلامه التي لا حصر لها، لا يمكن الحديث عن هذه الدولة الجديدة دون أن نستحضر حجم التضحيات الجسام التي قُدمت على مذبح الحرية، والتي رسمت بدماء الشهداء ودموع الأمهات خارطة طريق واضحة لا يمكن الحياد عنها. هذه الطريق ليست سهلة، ولن تكون مفروشة بالورود، لكنها الطريق الوحيد الذي يقودنا إلى وطن حر، يتسع للجميع، ويعيد لنا الكرامة التي حاول المستبدون سرقتها لعقود طويلة.

إن العدالة هي الركيزة الأساسية التي يجب أن نبني عليها سورية الجديدة، فلا قيمة لوطن يستبدل جلاداً بآخر، أو يتحول إلى ساحة للانتقام الفوضوي الذي لا يخدم إلا أعداء الشعب. العدالة التي نطمح إليها ليست شعارات تُلقى على مسامع الحشود، بل هي ميزانٌ دقيق يعيد لكل صاحب حقٍ حقه، ويقتص من كل من أجرم بحق هذا الشعب، مهما كانت مكانته أو انتماؤه. نحن بحاجة إلى نظام قضائي نزيه ومستقل، قادر على كسر قيود الماضي السوداء، وإرساء قواعد جديدة تقوم على سيادة القانون والمساواة بين المواطنين، فلا كبير أمام العدالة، ولا صغير يُضام تحت مظلتها.

لكن سورية الجديدة لا يمكن أن تنهض على أطلال النفوس المحطمة التي خلفتها سنوات الحرب والدمار. إعادة بناء الإنسان السوري هي المهمة الأعظم التي تواجهنا، لأن هذا الإنسان هو حجر الأساس لأي نهضة حقيقية. التعليم يجب أن يكون المنارة التي تقودنا إلى المستقبل، وليس مجرد أداة لتخريج أجيال مستنسخة تكرر أخطاء الماضي. نحن بحاجة إلى تعليم يعيد صياغة العقول، ويزرع فيها قيم الحرية والكرامة والمواطنة الحقيقية، بعيداً عن التلقين الأعمى أو الخطابات الجوفاء. إلى جانب ذلك، يجب أن نوفر لهذا الإنسان فرص العمل التي تحفظ كرامته، ونظاماً صحياً يُعيد له عافيته الجسدية والنفسية، فلا يمكن أن نبني وطناً على أكتاف جيلٍ مرهقٍ، أنهكته الحرب وأحلامه المؤجلة.

إن ما يؤلم في هذه المرحلة الانتقالية هو استمرار وجود بعض الأصوات التي تدّعي تمثيل الثورة، لكنها في الواقع لا تمثل سوى مصالحها الضيقة وأجنداتها المشبوهة. هؤلاء ليسوا سوى امتداداً لذات العقلية الاستبدادية التي خرج الشعب السوري لكسرها. التشبيح بلباس الثورة هو جريمة لا تقل خطورة عن جرائم النظام البائد، لأنه يزرع الشك في نفوس الناس، ويجعلهم يظنون أن الثورة لم تكن سوى وسيلة للوصول إلى نفس الغايات القذرة التي ثاروا ضدها. الثورة لم تكن يوماً حكراً على أحد، ولم تكن منصة لتلميع الأسماء أو لجمع المكاسب، بل كانت وستبقى قضية شعبٍ بأكمله، شعبٍ قرر أن يكسر قيوده بنفسه، وأن يبني وطنه بيديه.

سورية الجديدة التي نحلم بها هي سورية العدل والحرية والمساواة، سورية التي تتسع لكل أبنائها دون استثناء، سورية التي تُبنى على أساس عقد اجتماعي جديد يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن. هذا العقد يجب أن يكون واضحاً وقائماً على الاحترام المتبادل والحقوق المتساوية للجميع، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الطائفة. نحن بحاجة إلى دولة مدنية ديمقراطية تحترم كرامة الإنسان، وتمنح الفرصة للجميع ليشاركوا في بنائها، بعيداً عن المحاصصات الطائفية أو المصالح الضيقة التي مزقت نسيج هذا الوطن لسنوات طويلة.

إن الشعب السوري الذي قدم أغلى ما يملك في سبيل حريته يستحق وطناً يليق بتضحياته، وطناً لا يقهره الظلم، ولا يسوده الجهل، ولا يتحكم به الطغاة. هذا الوطن لن يُبنى إلا بإرادة صادقة وعزيمة لا تلين، إرادة تقطع الطريق أمام كل من يحاول العبث بمستقبل هذا الشعب العظيم. الثورة لم تكن ولن تكون مجرد لحظة عابرة في تاريخ سورية، بل هي بداية الطريق نحو وطنٍ يستعيد فيه الإنسان كرامته، ويجد فيه الأجيال القادمة مستقبلاً أفضل مما عشنا. هذا هو عهدنا مع الشهداء ومع أنفسنا، وهذا هو الطريق الذي لن نحيد عنه مهما كان الثمن.

Rawafed News

وكالة روافد نيوز الإخبارية” وكالة عراقية بنكهة عربية اصيلة لاتمثل ولاتمت باي صلة لاي جهة حزبية او سياسية سواء داخل وخارج العراق هدفها نقل الحقائق كما هي دون تزييف او رتوش تنبذ العنف والطائفية والاستغلال البشرية وتعمل على نشر مفاهيم المحبة والامن والسلام في العالم وتحترم خاصية كل الاديان والطوائف والمذاهب وتعزز من الروابط الاجتماعية بين الناس

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x