سياسةمقالات

السيد أحمد الشرع: ذكاء استراتيجي ومعرفة عميقة في فهم حرب المستضعفين

حين استمعت لمقابلة السيد أحمد الشرع الأخيرة مع اليوتيوبر جو حطاب، لم يكن مجرد لقاء إعلامي عابر، بل كان لحظة لافتة كشفت الكثير عن عمق التفكير الاستراتيجي للرجل الذي يقود سوريا في أكثر مراحلها حساسية. أحد الأصدقاء سألني إن كنت قد دققت في كلماته، فاستوقفني هذا السؤال وعدت للاستماع من جديد، مدققاً في كل عبارة، في كل مصطلح استخدمه، في كل فكرة طرحها.

ما لفت انتباهي بوضوح كان استخدامه لعبارة “حرب المستضعفين”، لم يكن هذا مجرد مصطلح عابر، بل كان إشارة إلى مفهوم استراتيجي بالغ الأهمية، فأخذني الفضول إلى البحث، ووجدت أن هناك كتاباً يحمل هذا الاسم، “حرب المستضعفين”، كتبه الصحفي الأمريكي روبرت تابر الذي عاش مع ثوار كوبا في خمسينيات القرن الماضي، وكان شاهداً على الثورة المسلحة التي قادها فيديل كاسترو.

لم يكن اختيار السيد أحمد الشرع لهذه العبارة مجرد صدفة، بل كان انعكاساً لفهم عميق لتاريخ الحروب الثورية، للصراع بين القوة والضعف، وللكيفية التي يتمكن فيها المستضعفون من قلب موازين القوى حين تتوفر لهم الإرادة والمعرفة والاستراتيجية.

“حرب المستضعفين” بين صفحات التاريخ وواقع سوريا

في مقدمة كتابه، يُعرّف روبرت تابر الحرب الثورية بأنها ليست مجرد صراع مسلح، بل هي صراع وجودي بين قوة تملك كل الأدوات العسكرية والاقتصادية والسياسية، وبين مقاومة بدأت ضعيفة، لكنها تفهم أن المعركة لا تُكسب بالعتاد وحده، بل بالعقلية، بالاستراتيجية، وبالقدرة على التحول من موقع الدفاع إلى الهجوم.

الكتاب يحلل عدة ثورات، بدءاً من الثورة الصينية بقيادة ماو تسي تونغ، إلى الفيتنامية التي هزمت القوى العظمى، إلى الثورة الأيرلندية ضد الاحتلال البريطاني، ثم إلى القبرصية التي قاتلت ضد الحكم الاستعماري. القاسم المشترك في كل هذه الحروب هو أن المستضعفين لم ينتصروا بالقوة المباشرة، بل بخلق واقع جديد، بامتلاكهم رؤية طويلة المدى، وبتحويل نقاط ضعفهم إلى أدوات قوة.

كيف انعكس هذا المفهوم في رؤية السيد أحمد الشرع؟

حين نتأمل في تصريحات السيد أحمد الشرع، نجد أن فهمه للحرب لم يكن سطحياً، لم يكن مجرد نظرة عسكرية تقليدية، بل كان رؤية شاملة تُدرك أن الصراع لا يُحسم فقط بالرصاص، بل بالسياسة، بالإدارة، ببناء الدولة، بامتلاك السردية الصحيحة، بخلق بيئة تجعل الانتصار أمراً محتوماً حتى وإن كان مؤجلاً.

المعارك التي خاضها السوريون لم تكن مجرد معارك على الجبهات، بل كانت أيضاً معارك على الهوية، على الوعي، على استعادة القرار الوطني من الأيادي التي حاولت تفتيت البلاد وتحويلها إلى مناطق نفوذ وصراعات لا تنتهي.

في فصول كتاب “حرب المستضعفين”، يتحدث المؤلف عن مرحلة “السيطرة على الأرض دون امتلاكها عسكرياً”، أي أن الحروب الثورية لا تعتمد على احتلال المدن والقرى، بل على زرع الأفكار، على كسب الحاضنة الشعبية، على جعل القوة الكبرى تفقد قدرتها على التحكم بالواقع حتى لو كانت موجودة عسكرياً. وهذا تماماً ما فهمه السيد أحمد الشرع حين أدرك أن إدارة الدولة في المرحلة القادمة لن تكون فقط باستعادة المدن، بل بإعادة بناء الهوية السورية، بإعادة إحياء مفهوم الوطن، بمحو آثار الاستبداد الطويل ليس فقط من الجغرافيا، بل من الوعي الجمعي.

الحرب ليست فقط بالسلاح، بل بإرادة التغيير

ما يميز نهج السيد أحمد الشرع أنه لم يسقط في فخ التصورات التقليدية عن النصر، لم ينظر إلى التغيير في سوريا على أنه مجرد انتصار عسكري، بل رآه على أنه انتصار لإرادة سياسية وشعبية تريد إعادة صياغة البلاد وفق معادلة جديدة، معادلة يكون فيها الشعب هو صاحب القرار، وتكون فيها القيادة أداة لتحقيق هذا القرار، لا كياناً منفصلاً عنه كما كان الحال في العقود السابقة.

في كتابه، يشير تابر إلى أن الحروب التي تنتصر هي تلك التي يديرها قادة يدركون أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل في العقول، في الإدارات، في الاقتصاد، في الإعلام، في بناء نموذج جديد يتفوق على النموذج الذي يتم هدمه. وهذا تماماً ما يتجسد اليوم في مرحلة إعادة بناء سوريا، حيث لم يعد الصراع مجرد مواجهة عسكرية، بل صراع على إعادة صياغة كل ما دمّره الاستبداد، من المؤسسات إلى العلاقات الاجتماعية، من الاقتصاد إلى السياسة.

لماذا الذكاء الاستراتيجي هو مفتاح المرحلة القادمة؟

السيد أحمد الشرع لم يأتِ كرجل يحمل وعوداً خيالية، بل جاء بعقلية تدرك أن الطريق طويل، لكنه ليس مستحيلاً. فهمه العميق لطبيعة الصراعات التاريخية، وإدراكه أن التغيير الحقيقي لا يكون بردود الفعل العاطفية بل بقرارات محسوبة، هو ما يجعل هذه المرحلة مختلفة.

الحروب الثورية التي تناولها كتاب “حرب المستضعفين” لم تنجح لأنها كانت مجرد انتفاضات، بل لأنها استطاعت أن تتحول إلى مشاريع دولة، وهذا تماماً ما يسعى إليه السيد أحمد الشرع، أن لا يكون النصر مجرد لحظة عابرة، بل بداية لحقبة جديدة تُؤسس لسوريا لا تعيش فقط على ذكريات الماضي، بل تمتلك القدرة على بناء مستقبلها.

ختاماً: بين التاريخ والواقع… نحن أمام فرصة لن تتكرر

اليوم، سوريا ليست في مرحلة البحث عن حلول مؤقتة، بل في مرحلة بناء هوية وطنية جديدة، مرحلة تتطلب قيادة تفهم أن الانتصارات الحقيقية لا تُقاس فقط بما يُستعاد من أراضٍ، بل بما يُستعاد من كرامة، من حقوق، من سيادة، من قدرة على تقرير المصير دون تدخلات خارجية.

السيد أحمد الشرع، بعقليته الاستراتيجية العميقة، لم يأتِ ليكون زعيماً جديداً يُعيد إنتاج السلطة بطريقة أخرى، بل جاء ليكون قائداً لمرحلة تحتاج إلى رجال يفهمون التاريخ جيداً، يعرفون أين أخطأ الآخرون، ويُدركون أن سوريا ليست مجرد ساحة صراع، بل وطن يجب أن يُبنى بوعي، بإرادة، وبذكاء.

وهذه المعركة، كما أثبتت كل الحروب التي خاضها المستضعفون عبر التاريخ، لا تُحسم بالسلاح وحده، بل بالعقل الذي يعرف متى يتحرك، وكيف ينتصر„

أحمد خليف

المصدر شبكة ودق الإخبارية

Rawafed News

وكالة روافد نيوز الإخبارية” وكالة عراقية بنكهة عربية اصيلة لاتمثل ولاتمت باي صلة لاي جهة حزبية او سياسية سواء داخل وخارج العراق هدفها نقل الحقائق كما هي دون تزييف او رتوش تنبذ العنف والطائفية والاستغلال البشرية وتعمل على نشر مفاهيم المحبة والامن والسلام في العالم وتحترم خاصية كل الاديان والطوائف والمذاهب وتعزز من الروابط الاجتماعية بين الناس

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x