الحراك المدني والسير خلف الأعمى

هلال كوتا / برلين
من خلال متابعتي الدقيقة و المستمرة لعملية بدء الترشيح وانتهاءً بنتائج المفوضية العليا للانتخابات وإعلان اسماء الفائزين للدورة الانتخابية السادسة في مجلس البرلمان العراقي ، اتضح وللأغلب من العراقيين أن أسباباً كثيرة دعت الى تراجع نتائج التصويت على مرشحي الاحزاب والتيارات المدنية .
وقد شخص الشارع العراقي واتفق على اسباب مختلفة إلا ان السبب الرئيس كان يعرّفه المتتبعون للشأن السياسي في العراق بعد سقوط النظام المباد .
نستطيع ان نلخص هنا اهم ما تم رصده وغاب عن الكثير ولكن هي محاولة مشاركة لما رصده الآخرون، ولكن مع تشخيص دقيق لمسيرة انتخابية عرف المواطن البسيط نتائجها وغفل عن مسبباتها .
لقد اكتشف الناخب ، وبعد دورة انتخابية غاب عنها ممثلو الشعب من المدنيين، أن تلك الحركات المدنية أو اخرى تدعي المدنية ما هي إلا وجه أخر لأحزاب يسارية أو تابعة لجماعات محظورة نوعا ما تتخذ من الاحتجاجات غطاءً تستتر خلفه.
نعم لقد شخص المواطن البسيط على أن تلك الأحزاب والتيارات بأنها متحزبة من الداخل وتدعي الاستقلالية والمدنية من الخارج، هنالك انموذج بسيط يُقدمه المواطن ليُثبت حجج ما يدعيه، أذ أن اصابع الحقيقة تتجه صوب الحزب الشيوعي وبعض الاحزاب اليسارية التي تراجعت شعبياً ويتخذ من الحزب الشيوعي مثالاً على ذلك ، فهو أراد من خلال خلق حركات مدنية أن يُنوع روافده وإن كانت بمياه لا تختلف عن سواها.
نعم اغلب تلك القيادات وجدوا أن كل ما فعلوه هو مجرد إعادة تدوير وسط حلقة مفرغة قوامها من الشيوعين انفسهم الذين ذهبوا لمناصرة تلك الروافد ، بمعنى اخر أن الحزب نفسه بدل الاستفادة من الروافد أصبح يضخ عليها من قاعدته ، والنتيجة أن تلك الروافد أصبحت عبئاً على الحزب الشيوعي واستنزفت الطاقات والوقت وهدر المال وخسارة لأصوات كثيرة ، والدليل ان الروافد بمرشحيها اصبحوا يمتلكون اضعاف ما يمتلكه قامات وشخصيات ومناضلي الحزب نفسه.
نجد أن من اهم اسباب فشل وتراجع التيارات المدنية أنهم اتبعوا خطى سياسي ذلك الحزب الآئل الى النسيان أو الاندثار في رسم السياسات والاستقطابات والنهج ووسائل إقناع الناخبين والتحالف مع الضد النوعي في أغلب الانتخابات.
كما أنهم تعالوا على مجتمعهم الذي انحدروا منه وأصبحوا يُعلنونها صراحةً تلك المواقف التي تُعد ثوابت مجتمعية ومنها نعت العشائرية بالتخلف والرجعية ووصف المعتقدات بالجهل والتخلف وتبني مواقف تضرّ بالمجتمع وهيكلية الأسرة التي هي نواة المجتمع والوقوف بوجه قوانين يجد المواطن فيه أساس دينه ومعتقده.
فضلا عن ذلك كله، أن القوى المدنية غفلوا جانب مهم وهو أن تلك الجموع التي سارت خلفهم هي مؤمنة بأهدافهم وتطلعاتهم التي نادوا بها في الكثير من التظاهرات ، من تشرين، غير أن الحقيقة التي كانت جلية أن تلك الجموع التي سارت خلفهم كانت من اجل أمور بعيدة عن السلطة وتنحصر في توفير فرصة العمل وإيجاد درجات وظيفية وتحسين واقع خدمي ، وهنالك جموع اخرى خرجت معهم كانت تمثل الجانب السلب وتتمثل في احزاب خسرت رهان الانتخابات التي سبقت تشرين وثلة من البعثيين الذين كانوا أشبه بخلايا نائمة ارادت تعبر عن كبتها ، واخرى جمهور احزاب من السلطة ذاتها التي خرج المتظاهرون عليها، ومن هذا كله وجدت المواطن أن يشبه ما قبله.
فضلا عن الاسباب التي شخصها المواطن البسيط وكذلك المتبحر بدهاليز السياسة وجد جمهور الحراك المدني أن أغلب من الذين وصلوا الى البرلمان عبر اصواتهم قد تخلوا عن الشعارات وتحالفوا مع احزاب نعتوها بالأمس بأقذر الصفات. كما شخصوا برلمانيين أخرين وجّهوا سهامهم على مكونهم وغضوا النظر عن انتهاكات بحق أبناء الشمال بل واستقتلوا على صرف مستحقات مالية لموظفي الاقليم على الرغم من وجود حصة موازنة ونفط يُباع دون علم الدولة ، وسكتوا عن انتهاكات بحق مواطني الغربية من احزابهم المتسلطة، وكذلك ركزوا على انتهاكات خارجية من طرف واحد وغضوا الطرف عن جهات اخرى دعمت ارهاب واحتلت مساحات من ارض الوطن، وناصروا وباركوا حكومة من كان بالأمس قائداً للإرهاب الذي حصد الكثير من الأرواح.
هذا ما يُقال من تشخيص يبديه المواطن البسيط ، قد أتبنى بعضه ولا أرفض البعض الاخر لإيماني بحرية الرأي.
يتضح لنا مما تم ذكره أعلاه وبعد أن انجلى غبار الانتخابات وخسر من خسر وغنمَ من غنُم ، أن الأربع سنوات المقبلة ستكون هنالك حكومة إطارية خالصة ، لا وجه معارضة فيها ، لعدم وجود للقوى المدنية، ولا حضور للتيار الصدري. ويتضح أنهم عازمون على عدم الاخفاق ، وإن اخفقوا سيكون هناك خلق فرصة للتيارات المدنية المتربصة لحكومتهم ، وهي في غرف الإنعاش، أن تأخذ دور منظمات المجتمع المدني والنزول بتظاهرات قد لا تُحدث فارغاً ولكن لإثبات وجود لا اكثر من ذلك.



