تحليلات وتقاريرتحليلات وتقاريررئيسي

الشباب والإعلام… بوابة التعاون الدولي لمواجهة أزمة المياه في الشرق الأوسط

روافدنيوز/ داليا عبد الرحمن

في العقد الأخير واجه العالم أخطر آثار التغير المناخي، ألا وهو النقص المائي، وما تبعه من إجراءات وسياسات أدّت به إلى أزمة عميقة، حولت بعض المناطق إلى أماكن خالية من الحياة.

وبحسب تقارير عدّة، تُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق المجهدة مائيًا، إذ تمثل 6%,3 من سكان العالم فقط، إلا أنها تحتوي على أقل من 1%,4 من موارد المياه المتجددة. وأكثر من 60% من سكان المنطقة يعيشون تحت ضغط مائي دائم يتجاوز المتوسط العالمي (حوالي 35%) فيما تشير بيانات الإسكوا إلى أن 13 دولة عربية يتدنى فيها نصيب الفرد إلى أقل من 500 متر مكعب سنويًا، وهو مستوى الندرة المطلقة الذي يهدد الأمن المائي والغذائي على حد سواء، وقد حذر معهد الموارد العالمية في تقريرٍ له من أن 25 دولة في العالم تضم ربع سكان الأرض مهددةٌ بشحٍّ في المياه بسبب الإجهاد العالي لمواردها المائية المتاحة.

فرصة لإعادة جسور التعاون

وعلى الرغم من تدهور الوضع الراهن، إلا أنّ أزمة المياه شكّلت فرصة ذهبية لإعادة بناء وتعزيز جسور التعاون الدولي عوضًا عن الغوص في دوامة الصراع. فمنذ الأزل، لم تعترف المياه بأي حدود سياسية، ولذلك يستحيل أن تكون هناك حلول أحادية مقيدة عند العمل على بناء الثقة وإطلاق مبادرات مشتركة لإدارة الموارد المائية واستدامتها، خاصة وأن ذلك يعدّ من أنجع الحلول لإيجاد مساحات للتفاهم والسلام، سعيًا نحو تأمين مستقبل مائي مستدام للأجيال القادمة، وهذا ما تسعى مبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط تحقيقه عبر تحويل المياه من مصدرٍ محتمل للصراع إلى مصدرٍ للتعاون والاستدامة.

التحديات المشتركة

ضمن منتدى الشباب العربي للتغير المناخي لعام 2025، الذي أقيم في مدينة صلالة في سلطنة عُمان، جرت جلسة نقاش عميقة حول ظاهرة التغير المناخي والأضرار التي أنهكت البلدان العربية في العقد الأخير، وكيف أن هناك سمات مشتركة بين تلك المشاكل مثل نقص المياه، والفيضانات، والتلوث الناتج عن تصريف مياه الصرف الصحي في الأنهار وغيرها، مما انعكس على جودة المياه وتوافرها.

وتعددت مشاركات الشباب، وكان أبرزها مشاركة أحد المتحدثين الذي تحدث عن حوضي دجلة والفرات، وكيف أن تلك التحديات أصبحت واضحة وقاسية، فأن سوريا والعراق وتركيا يواجهون انخفاضًا في التدفق المائي بسبب التغير المناخي، وزيادة عدد السكان، والتدخلات البشرية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الأمن الغذائي والاقتصاد والزراعة وفرص الشباب.

ورغم مشاهد المعاناة التي عرضها المشاركون، إلا أنّ هذه الأحواض المائية أوضحت بجلاء أن المصير المائي مشترك، وأنّ تجاوز الأزمة يتطلب رؤيةً تكاملية، إذ لا تستطيع أي دولة تحقيق أمنها المائي بمعزلٍ عن جيرانها.

الإعلام والشباب نجاح أي تعاون دولي

ويعد الإعلام الهادف هو أحد أهم الركائز التي تساهم في نجاح أي تعاون دولي، وخاصة في المجال المائي. وكان للإعلام الشبابي دورٌ كبيرٌ في هذا السياق، إذ تميّز بقدرته على كسر الصور النمطية ونشر الخطابات الإيجابية المؤثرة والقريبة من المجتمع.

لم تحمل تلك الخطابات أي لومٍ أو تحميلٍ للمسؤولية لأي طرف، ولم تركّز على الجانب السلبي كالصراع والنزاع، بل أسهمت في تسليط الضوء على الحلول والإمكانات وفرص التعاون المشترك، فقد عرضت العديد من قصص التعاون الدولي والمكاسب المشتركة، مبيّنةً أن المصالح المائية متشابكة مهما اختلفت السياقات.

برنامج منظمة السلام الأزرق

ومن أهم البرامج التي ساعدت في إطلاق إمكانيات الشباب في المجال الإعلامي ودبلوماسية المياه، برنامج الإعلاميين الشباب لمبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط (Blue Peace Middle East Junior Media Hub)، الذي أتاح الفرصة ليبرز دور الشباب من خلال سرد حكايات واقعية وقريبة من الناس، مستخدمين الوسائط المكتوبة والمسموعة والمرئية.

فكانوا الجسر الذي يربط بين الدول والمجتمعات، مظهرين أن جهود مبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط ليست مجرد شعار، بل مسارٌ يمكن تحقيقه من خلال أبسط الوسائل؛ كمبادرة صغيرة، أو مقالٍ إعلامي مؤثر، أو صورةٍ تعبّر عن الأمل، سعيًا لخلق وعيٍ جماعي يؤمن بأهمية التعاون الإقليمي كخيارٍ استراتيجي، وليس كترفٍ دبلوماسي.

وقد بدا ذلك جليًا في المؤتمرات الشبابية، مثل منتدى الشباب العربي للتغير المناخي، حيث تواجد عدد كبير من الإعلاميين والدبلوماسيين الشباب الذين جعلوا من الحوار ثقافةً أساسيةً في نقل معاناة بلدانهم دون المساس بأي طرف، مبدين استعدادهم لأي حلٍّ تشاركي حتى على مستوى المبادرات الصغيرة، آملين في تحويل مسار العالم نحو السلام.

 مبادرات تشق طريقها نحو التعاون الإقليمي

في مواجهة تلك التحديات، برزت مبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط التي تعمل على المستوى الإقليمي، وطرحت نموذجًا جادًا في دبلوماسية المياه، وذلك من خلال عدة برامج ممتدة بين دول الشرق الأوسط مثل سوريا والأردن ولبنان والعراق وإيران وتركيا، هادفةً إلى دعم الحوار بين الخبراء وصانعي القرار، وتعزيز الإدارة التعاونية للموارد المائية العابرة للحدود، وتمكين الشباب كسفراء وإعلاميين وصانعي تغيير.

ما يميز هذا النهج هو تركيزه على توسيع تبادل الخبرات، وبناء الثقة تدريجيًا عبر الحوار المستمر، والاستثمار المشترك لتحفيز التعاون السياسي، وإشراك جميع الأطراف المعنية. وبهذا يتحول الماء من كونه عاملًا محتملًا للنزاع إلى رافعةٍ للتقارب والتعاون الإقليمي، ونقطة انطلاقٍ لشراكاتٍ طويلة الأمد.

وختامًا، فإن مستقبل الماء في الشرق الأوسط لا يمكن أن يُبنى على سياساتٍ هشةٍ قائمةٍ على العزلة والتنافس، بل يتطلب جهدًا أكبر في التعاون وإقامة شراكاتٍ متينةٍ ومستدامة. فكما أن الماء عابرٌ للحدود، فهو حقٌّ للجميع، وأمنه مسؤوليةٌ مشتركة. وإن الأمم تزدهر بشبابها، فلا بد من إشراك الإعلاميين الشباب في دوائر صنع القرار المائي، سعيًا لاستمرار الأثر الإيجابي نحو مستقبلٍ أكثر استدامة./انتهى

Rawafed News

وكالة روافد نيوز الإخبارية” وكالة عراقية بنكهة عربية اصيلة لاتمثل ولاتمت باي صلة لاي جهة حزبية او سياسية سواء داخل وخارج العراق هدفها نقل الحقائق كما هي دون تزييف او رتوش تنبذ العنف والطائفية والاستغلال البشرية وتعمل على نشر مفاهيم المحبة والامن والسلام في العالم وتحترم خاصية كل الاديان والطوائف والمذاهب وتعزز من الروابط الاجتماعية بين الناس

مقالات ذات صلة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x