بغداد وأربيل تتوصلان إلى تسوية شاملة لملف النفط بعد سنوات من الخلافات

بغداد/روافدنيوز
بعد سنوات طويلة من الخلافات والمقاطعات السياسية والاتهامات المتبادلة بين الحكومات الاتحادية المتعاقبة وحكومة إقليم كردستان بشأن ملف تصدير النفط، أعلنت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التوصل إلى اتفاق شامل وتاريخي يضع حداً لأزمة ظلت عالقة منذ عام 2005.
هذا الاتفاق، الذي وصفه السوداني بأنه “إنجاز انتظرناه 18 عاماً”، اعتُبر بمثابة منعطف مفصلي في العلاقة بين المركز والإقليم، ويفتح آفاقاً جديدة لإدارة الثروة الوطنية وفق إطار قانوني ودستوري موحّد.
خلفية الأزمة
وبدأت فصول الأزمة النفطية بين بغداد وأربيل عقب إقرار الدستور العراقي عام 2005، الذي نصّ على تقاسم عائدات الثروات الطبيعية بشكل عادل.
غير أنّ غياب التشريعات المكملة لقانون النفط والغاز، وعدم تمرير القانون في مجلس النواب، أوجد فراغاً قانونياً سمح للإقليم بتوقيع عقود مع شركات أجنبية لتطوير الحقول وتصدير النفط بشكل مستقل عبر خط أنابيب يصل إلى ميناء جيهان التركي.
منذ ذلك الحين، تكررت الخلافات مع كل حكومة اتحادية، خصوصاً عند إعداد الموازنات العامة. بغداد كانت تشترط أن يقوم الإقليم بتسليم إيرادات النفط المنتج عبر “سومو”، في حين كان الإقليم يطالب بضمان حصته الدستورية قبل أي التزام. هذا الوضع أفرز أزمات مالية خانقة، وتسبب في أحيان كثيرة بتأخير رواتب موظفي الإقليم، وأضعف ثقة المستثمرين بالبيئة الاقتصادية العراقية.
السوداني: اتفاق شامل يفتح صفحة جديدة
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في إعلان الاتفاق، قال: توصلنا إلى اتفاق تاريخي تتسلّم بموجبه وزارة النفط الاتحادية النفط الخام المنتج من الحقول الواقعة في إقليم كردستان، وتقوم بتصديره عبر الأنبوب العراقي – التركي. ويضمن ذلك التوزيع العادل للثروة، وتنويع منافذ التصدير، وتشجيع الاستثمار. إنه إنجاز انتظرناه 18 عاماً”.
السوداني شدّد على أن “الاتفاق ليس حلاً وقتياً أو صفقة سياسية عابرة، بل هو خطوة استراتيجية ستسهم في إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية بين المركز والإقليم على أسس الدستور، وتوحيد السياسة النفطية للعراق، بما يعزز حضوره في الأسواق العالمية”.
شركات نفطية عالمية
أعلنت 8 شركات نفط دولية عاملة في إقليم كردستان، تمثل أكثر من 90% من الإنتاج، أنها توصلت إلى اتفاقات مبدئية مع الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان لاستئناف صادرات النفط.
وقالت مجموعة الشركات، في بيان إنه من المتوقع أن يسمح هذا الإطار، بمجرد توقيعه وتنفيذه، باستئناف الصادرات خلال الأيام المقبلة، مع تمهيد الطريق نحو ترتيبات طويلة الأجل”.
تفاصيل الاتفاق وفق خبراء
وكشف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، عن تفاصيل الاتفاق النفطي الذي تم التوصل إليه بين الحكومة الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان، والذي يهدف إلى استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، موضحاً البنود الأساسية:
1-التعامل مع الشركات الأجنبية: الاتفاق تم مع 8 شركات أجنبية عاملة في الإقليم، فيما لم تنضم شركتا دي إن أو النرويجية وجينيل التركية بسبب مطالبتهما بضمان تسديد مستحقاتهما السابقة، التي بلغت 300 مليون دولار لشركة دي إن أو وحدها، من أصل مليار دولار هي إجمالي الديون المتأخرة.
2-كميات التصدير: المرحلة الأولى ستبدأ بتصدير 190 ألف برميل يومياً من أصل إنتاج يبلغ 240 ألف برميل يومياً، مع تخصيص 50 ألف برميل للاستهلاك المحلي في إقليم كردستان.
3-التكاليف التشغيلية: ينص الاتفاق على تخصيص 16 دولاراً عن كل برميل لتغطية تكاليف الإنتاج والنقل، تُدفع للشركات على شكل نفط خام بدلاً من النقد.
4-مدة الاتفاق: هذا الترتيب سيبقى سارياً حتى نهاية العام، ليُجدد شهرياً اعتباراً من العام المقبل، لحين قيام شركة استشارية دولية بتحديد التكاليف الدقيقة للإنتاج.
5-الإطار القانوني: الاتفاق سيكون مكتوباً ومُسجلاً، وتم اختيار محكمة التحكيم الدولية في باريس كطرف ضامن وحاكم في حال نشوء خلافات.
6-الدور الاستشاري: من المتوقع أن توقّع وزارة النفط عقداً مع شركة وود ماكنزي البريطانية لتكون المستشار الفني المكلف بتحديد تكاليف الإنتاج بدقة، ما يمهّد لتحويل الاتفاق المؤقت إلى دائم.
المرسومي وصف الاتفاق بأنه “خطوة مهمة نحو حل الخلافات العالقة بين بغداد وأربيل واستئناف تدفق النفط إلى الأسواق العالمية”، مشيراً إلى أنه “يعيد الثقة التدريجية بين الأطراف المعنية، ويمهد لبيئة أكثر استقراراً للاستثمار الأجنبي”.
ردود فعل مرحّبة
فقد أكد نواب في لجنة النفط والطاقة أن “الاتفاق سينهي واحدة من أعقد الأزمات التي كانت تعيق تشريع الموازنة، ويضمن الشفافية في إدارة الإيرادات”.
فيما رحبت حكومة إقليم كردستان بالاتفاق، معتبرة أنه “يحفظ حقوق الإقليم الدستورية ويضمن استقرار الرواتب والمشاريع الخدمية”.
مراقبون اعتبروا أن “الاتفاق يبعث رسالة إيجابية للأسواق العالمية بأن العراق موحّد في ملف النفط، ما يزيد من الثقة الدولية بمستقبل صادراته”.
الأهمية الاستراتيجية للاتفاق
وتتضمن أهمية الاتفاق في توحيد السياسة النفطية العراقية بعد سنوات من الانقسام، مع ضمان التوزيع العادل للثروة بين المحافظات والإقليم وفتح آفاق استثمار جديدة نتيجة استقرار القوانين المالية والنفطية، مع تعزيز العلاقات مع تركيا من خلال تفعيل خط التصدير العراقي-التركي”، موضحين ان “ذلك سيؤدي الى طمأنة الأسواق العالمية بأن العراق ماضٍ في سياسات نفطية مستقرة”.
التحديات المقبلة
ورغم الزخم الإيجابي، تبقى هناك تحديات أمام التطبيق، منها معالجة ملف الديون المتراكمة للشركات الأجنبية، وضمان استدامة الالتزام ببنود الاتفاق بعيداً عن الخلافات السياسية، فضلا عن تسريع تشريع قانون النفط والغاز، الذي يُعدّ الضامن الدستوري لأي اتفاقيات مستقبلية.
الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل يُعدّ خطوة تاريخية تنهي أزمة استمرت قرابة عقدين، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون والشراكة الوطنية في إدارة الثروات.
وإذا ما نُفذ الاتفاق وفق ما تم التوصل إليه، فإنه سيعزز استقرار الاقتصاد العراقي، ويعيد الثقة بالعملية السياسية، ويمنح البلاد فرصة نادرة لتقديم نفسها كقوة نفطية موحدة على الساحة الدولية.