حرب النجوم الحقيقية.. رصد مجرتين متشابكتين في “مبارزة كونية” حيرت العلماء

رواتفدنيوز/ متابعة
رصد العلماء معركة نادرة بين مجرتين تسيران بسرعة خيالية تصل إلى 500 كيلومتر في الثانية، في مشهد يشبه “المبارزة الكونية” في الفضاء السحيق.
لكن هذه المبارزة الكونية تخفي مفاجأة صادمة، حيث تمتلك إحدى المجرتين سلاحا سريا فتاكا، يتمثل في “حزمة إشعاعية قاتلة” تنبعث من نواتها النشطة، المعروفة باسم “الكوازار” (النجم الزائف أو شبه النجم)، وهي المنطقة الغازية الساخنة المحيطة مباشرة بثقب أسود هائل.
ويشرح الدكتور سيرغي بالاشيف، الباحث الرئيسي من معهد إيوف في سانت بطرسبرغ، روسيا، أن هذه الملاحظة تمثل المرة الأولى التي يتمكن فيها العلماء من رصد التأثير المباشر لإشعاع الكوازار على البنية الداخلية لمجرة عادية. فبينما تتقارب المجرتان في رقصة كونية عنيفة، تقوم المجرة المهاجمة بتسليط حزمة إشعاعية قوية تنبعث من ثقب أسود فائق الكتلة تقدر كتلته بنحو 100 مليون كتلة شمسية، تخترق هذه الحزمة قلب المجرة المنافسة، وتحدث دمارا هائلا في بنيتها الغازية.
وتظهر التفاصيل التي كشفت عنها الأرصاد الفلكية الدقيقة أن الإشعاع الشديد الصادر عن الكوازار يحول سحب الغاز والغبار في المجرة المستهدفة إلى كتل صغيرة وكثيفة، ما يعطل بشكل جذري قدرة هذه المجرة على تكوين نجوم جديدة.
ويوضح الدكتور باسكيه نوردام من معهد الفيزياء الفلكية في باريس أن الإشعاع فوق البنفسجي الشديد الصادر عن الكوازار قادر على تدمير الغاز الجزيئي في المجرة الأخرى، تاركا فقط كتلا غازية صغيرة جدا، وغير قادرة على دعم عملية تكوين النجوم.
والأمر اللافت في هذه الظاهرة هو أن تأثير الإشعاع يتركز في المنطقة التي تخترقها الحزمة الإشعاعية فقط، بينما تبقى باقي أجزاء المجرة المستهدفة سليمة إلى حد كبير. وهذا المشهد الكوني الفريد يقدم للعلماء فرصة غير مسبوقة لدراسة التفاعلات العنيفة بين المجرات والكوازارات، خاصة وأن مثل هذه الأحداث كانت أكثر شيوعا في الكون المبكر.
ولرصد هذه الظاهرة النادرة، اعتمد العلماء على أقوى التلسكوبات المتاحة حاليا، بما في ذلك التلسكوب الكبير جدا (VLT) التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي ومصفوفة مرصد أتاكاما المليمتري الكبير (ALMA). وقد تطلب الأمر دقة غير مسبوقة، نظرا لأن الضوء الصادر عن هذه المجرات استغرق 11 مليار سنة ليصل إلى الأرض، ما يعني أن العلماء يدرسون حدثا وقع عندما كان عمر الكون 18% فقط من عمره الحالي.
ويأمل العلماء أن تتيح التلسكوبات الأكثر قوة التي سيتم تشغيلها في المستقبل، مثل التلسكوب الكبير جدا المزود بجهاز ELT، فرصا أفضل لدراسة هذه الظواهر الكونية العنيفة. فمن خلال فهم أفضل لهذه التفاعلات المجرية، يمكن للباحثين سد فجوات مهمة في معرفتنا حول كيفية تطور المجرات والكوازارات في الكون المبكر، وكيفية تأثيرها المتبادل على بعضها البعض عبر مليارات السنين.