تقرير: تبعات حقوقية وقانونية لاحتمالية طبع الوثائق السورية الرسمية في تركيا

روافدنيوز/ متابعة
أكدت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، انه سيترتب على منح ملف طباعة الوثائق الرسمية لتركيا خروقات عدّة للقوانين المحلية والدولية لما لهذه الخطوة من أثر على جوانب مختلفة من أمن المواطنين السوريين وكذلك سيادة سوريا واستقلالها.
وذكرت المنظمة في تقرير مطول انه تترتب على احتمالية تسليم الملف لتركيا، خروقات عدة للقوانين المحلية والدولية، لما لها من أثر على جوانب مختلفة من أمن المواطنين السوريين، وكذلك سيادة سوريا واستقلالها.
وفي حال قيام حكومة تصريف الأعمال السورية بتسليم ملفات السوريين الشخصية إلى الحكومة التركية، فهذا سيشكل تنازلاً واضحاً عن السيادة السورية لدولة أخرى، هذه السيادة التي تم التأكيد عليها في الدساتير السورية المتعاقبة، وذلك لأن بيانات المواطنين السوريين تعتبر من “الوثائق الوطنية الأساسية الدائمة”، ومن يفرط بالوثائق الوطنية يكون قد فرط بالسيادة الوطنية للدولة حتماً، وكذلك يكون تصرف الحكومة السورية مخالفاً لما تنص عليه قوانين الأحوال المدنية المتعاقبة التي أكدت على وجوب الحفاظ على وثائق السجلات المدنية وتأمين سلامتها وحمايتها من الضياع، ولا شك إن إخراج هذه السجلات إلى خارج الحدود السورية وتسليمها لدولة أخرى يشكل انتهاكاً واضحاً للقوانين السورية المذكورة، بحسب المنظمة.
وتقول المنظمة، “كذلك نصت قوانين الأحوال المدنية المتعاقبة في سوريا (قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021، وقانون الأحوال المدنية رقم 26 لعام 2007) على عدم جواز نقل سجلات الأحوال المدنية إلى خارج مراكز السجل المدني. حتى في حال وجود دعوى تزوير تتعلق بمحتويات سجل معين، فعلى هيئة المحكمة الانتقال إلى أمانة السجل المدني والاطلاع على السجل في مكان وجوده، فإذا كان نقل السجلات إلى مبنى محكمة سورية موجودة في نفس المنطقة الجغرافية التي تتواجد فيها أمانة السجل المدني أمراً محظوراً قانوناً، فكيف لنا أن ننقل محتويات هذه السجلات إلى خارج الحدود وتسليمها لدولة أخرى؟”.
كذلك نصت قوانين الأحوال المدنية السورية على إن استصدار الوثائق المدنية كالبطاقات الشخصية والأسرية وإخراجات القيود المدنية تكون عن طريق مراكز السجل المدني السورية حصراً، ولم تسمح باستصدارها من مراكز أخرى، ولا سيما إذا كانت غير سورية، كون الوثائق المذكورة تعتبر، كما ذكرنا، من “الوثائق الوطنية الأساسية”.
وتضيف، “ثم إنه في حال وجود خطأ أو تزوير في قيود الأحوال المدنية وتم تصحيح ذلكْ من قبل المحكمة المختصة بقرار مبرم، أو في حال تصحيح الخطأ المادي الموجود في تلك القيود من قبل رئيس مركز السجل المدني المختص، وفق ما نصت عليه قوانين الأحوال المدنية السورية، فهل سيكون هذا القرار ملزماً للدوائر الرسمية التركية لتعديل بيانات قيود الأحوال المدنية الموجودة في حوزتها؟ وإذا افترضنا أن الدوائر الرسمية التركية التي سيتم تفويضها بإصدار الوثائق الشخصية للسوريين/ات رفضت، لسبب أو لآخر، اصدار وثيقة لشخص ما، فما هي الوسائل القانونية المتاحة للمتضرر للتظلم ضد الجهة المذكورة؟ وهل سيلزم المواطن السوري بالسفر إلى الدولة التركية لمتابعة هذا الأمر أمام سلطاتها؟ الأجوبة برسم حكومة تصريف الأعمال”.
وتوضح انه ينبغي التأكيد أيضاً على أن الدولة السورية تلتزم، بموجب القانون الدولي وإعمالًا لسيادتها، باحترام وحماية حقوق الإنسان والوفاء بها. وقبل اتخاذ الدولة قرار تسليم دولة أخرى مسؤولية إصدار الأوراق الثبوتية للمواطنين السوريين، يجب تقييم هذا القرار في ضوء الواجب في احترام حقوق هؤلاء المواطنين، أي الامتناع عن التدخل في تمتعهم بحقوقهم أو الحدّ منها، وكذلك واجبها في حماية حقوق هؤلاء المواطنين من الانتهاكات من أي طرف، بالإضافة إلى واجب اتخاذ إجراءات إيجابية لتسهيل تمتع هؤلاء المواطنين بحقوقهم. ولا يجوز التذرع بالإيفاء بأي من هذه الواجبات للتنصّل من احترام الواجبات الأخرى. وبالتالي لا يمكن تبرير تسليم تركيا مسؤولية إصدار الأوراق الثبوتية باعتبار ذلك “تدبيرًا إيجابيًا” لتسهيل تمتع السوريين بحقوقهم طالما أن هذا “التدبير” لا يفي بواجبات الدولة في احترام وحماية تلك الحقوق.
وفي هذا السياق، فإن تسليم الوثائق الشخصية للسوريين إلى دولة أخرى – بحسب المنظمة – يعتبر فشلًا واضحاً في إعمال واجب احترام وحماية الحق في الخصوصية، حيث أكدت المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته. وانطلاقًا من واجب الدولة في حماية هذا الحق، فهي ملزمة بضمانه “في مواجهة جميع تلك التدخلات والاعتداءات، سواء أكانت صادرة عن سلطات الدولة أم عن أشخاص طبيعيين أو قانونيين”.
وتجدر الإشارة إلى أن “تشريعات الدولة هي في المقام الأول عين ما يجب النص فيه على حماية (هذا الحق)، مما يؤكد سموّ التشريعات الوطنية التي تم ذكرها في الفقرات السابقة على أية تدابير لا تتوافق معها. بناءً على ذلك، يعتبر تسليم بيانات السوريين للحكومة التركية انتهاكاً لخصوصياتهم وإغفالًا عن إنفاذ التزامات الدولة تجاه هذا الحق وفق القانون الدولي والوطني. علاوة على ذلك، “يكفل الحق في الأمن الشخصي حماية الأفراد من تعمد إلحاق الأذى البدني أو الضرر العقلي بهم، بغض النظر عما إذا كان الضحية محتجزاً أو غير محتجز”. ويتوجب على الدولة اتخاذ التدابير المناسبة لحماية الأفراد من المخاطر المتوقعة وكافة أشكال العنف من قبل أية أطراف فاعلة حكومية أو خاصة، بحسب قول المنظمة.
وفي ظل غياب قدرة الدولة على ممارسة سيادتها وما ينبثق عنها من سلطة وفق القانون في حال نُقلت مسؤولية إصدار الوثائق إلى تركيا، فقد يشكّل هذا الإجراء تهديداً لأمن المواطنين السوريين المتأثرين به بالتزامن مع انعدام أية فرصة للدولة السورية في إعمال واجباتها بهذا الصدد نظراً لعدم ممارستها سلطاتها السيادية على السلطات التركية، وبالتالي ستخالف حكومة تصريف الأعمال التزاماتها الدولية المفروضة بموجب العهود والمواثيق الدولية، ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كون سوريا دولة طرف في هذه الاتفاقية.
وقد تطال التهديدات أيضاً، حق السوريين في المساواة أمام القانون والوصول للقضاء، والحق في الانتصاف الفعال. فمثلاً، كيف يمكن لمواطن سوري أن يتحدى ويتظلم بخصوص انتهاك لخصوصيته قامت به السلطات التركية التي تعالج أوراقه الثبوتية؟ ومن يتحمل المسؤولية القانونية: سوريا أم تركيا؟ أين هو مجال الاختصاص القانوني والقضائي الذي يجب أن يلجأ له ذلك المواطن؟ في هذا السياق الضبابي، إن موافقة الدولة السورية على عملية طباعة الوثائق في تركيا، تعني ضياع حق المواطن السوري وإلقاء العبء على كاهله بالنسبة لالتزامات الدولة تجاهه.
وفقًا للقانون الدولي، يحق للدولة أن تفعّل لصالح مواطنيها إجراءات الحماية الدبلوماسية عندما تتسبب دولة أخرى بضرر بحقهم وذلك لضمان حمايتهم وحصولهم على الجبر على الفعل الخاطئ دوليًا الذي ارتكب بحقهم. وقد عبّرت المحكمة الدائمة للعدالة الدولية – ومحكمة العدل الدولية من بعدها – عن هذا الترابط بين حق الدولة وحق مواطنيها باعتباره يعكس شكلًا رئيسيًا من الإنصاف واحترام قواعد القانون الدولي. وقد نصّ أحد قرارات المحكمة على “إن من المبادئ الأولية في القانون الدولي أن الدولة لها الحق في حماية رعاياها عندما تتضرر من أعمال مخالفة للقانون الدولي ترتكبها دولة أخرى، ولم تتمكن من الحصول على تعويض منها بالطرق العادية. ومن خلال تولي قضية أحد رعاياها واللجوء إلى الإجراءات الدبلوماسية أو القضائية الدولية نيابة عنه، فإن الدولة تؤكد في الواقع على حقوقها الخاصة – حقها في ضمان احترام قواعد القانون الدولي في شخص رعاياها”. وبالتالي، إذا قامت الدولة الأخرى، تركيا في هذه الحالة، بإلحاق الضرر بمواطنين سوريين، ما هي إجراءات وقانونية الحماية الدبلوماسية التي ممكن أن تنفذها سوريا طالما أن الدولة السورية قد أباحت لدولة أخرى ممارسة جانب من سلطتها السيادية – إصدار الأوراق الثبوتية؟ وفي سياق ذي صلة، تجدر الإشارة إلى أنه لا يحق للدول الأطراف في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 أن يعقدوا أية اتفاقات ذات طبيعة أو علاقة قنصلية إضافية إلا إذا كانت تؤكد أو تدعم أو تكمّل أحكام اتفاقية فيينا وفقًا للمادة 73(2) منها. بناءً على ذلك، فإن أي اتفاق بخصوص إصدار أو طباعة الأوراق الثبوتية للمواطنين السوريين من شأنه أن يحدّ أو يخالف أحكام الاتفاقية يعتبر مخالفًا لهذه المادة ولأحكام محكمة العدل الدولية المتعددة بهذا الخصوص.
وتتابع المنظمة، ان تفويض تركيا بعملية طباعة الأوراق الرسمية السورية سينجم عنه ارباكاً على مستوى علاقات الدول مع السوريين بخصوص وثائقهم الرسمية، ففي حال حاجة دولة ما إلى الوثائق الشخصية لشخص سوري يسكن على أراضيها، لأي سبب كان، فهل ستقوم بمخاطبة الحكومة السورية أم التركية؟./انتهى