تكبيس يا محسنين

بغداد/ فاطمة نجاح الفتلاوي
ان التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية سهل على الإنسان التغلب على الكثير من الصعاب التي يواجهها في حياته، فاليوم بفضل هكذا ثورة تكنولوجية معلوماتية يتم تشخيص الأمراض الخطيرة ويساعد على تذليل الصعاب للعمليات المعقدة وكذلك سرعة وصول المعلومات وتنظيم شبكة معلوماتية موثوقة وتدارك الاحداث وتقليل نسبة انتشار الجريمة، وحد من ظواهر مختلفة.
لكن مازال هنالك من يستخدمها بصورة سلبية وتسيء للقيم المجتمعية ، ومن بين تلك السلبيات التي بدأت تنتشر في الوقت الحاضر على نطاق واسع ، والتي تحولت الى ظاهرة من الصعب السيطرة عليها وهنا نعني ظاهرة (التسول الالكتروني) التي انتشرت في اغلب مواقع التواصل الاجتماعي بعد ان كان مقتصراً على الطرق والشوارع العامة وطرق الابواب إلا انه الآن بدأ تتطور وسائلها هي الاخرة وواكبت التحول الرقمي والتطور التكنولوجي وقد استغل البعض هكذا تطور من خلال استخدام عده طرق ووسائل متنوعة ومختلفة ، يكون الهدف منها ابتكار طرق جديدة للنصب والاحتيال وهذه امور مخالفة للقانون والأعراف المجتمعية. فمن كان يجد صعوبة ظهوره بالطرقات كمتسول أصبح الآن بضغطة زر يفتح بثاً مباشراً يجني من خلاله اموالاً طائلة وقد يصل البعض منهم الى ان يكونوا شبكة لغسيل الأموال وهذا ما هو أخطر على المجتمع والبلد .
نعم هكذا تســول هو من اكثر المشكلات التــي تشــكل خطراً علــى المجتمــع لمــا له مــن آثــار علــى الامن الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، فمن خلال هـذه الطريقـة يسـتغل ذلك المتسـول الألكتروني عاطفـة الاخرين للإيقاع بهــم فــي فخــه الاحتيالي لتحقيــق أكبــر قــدر ممكــن مــن المكاســب الماديــة ، فطرق التحايل واسعة في هذا الفضاء الالكتروني ومنها عرض معلومات مغالطة ومزورة وكذلك الجمهور الموجود الذي يدفع بالمرء ان يتبرع بمبلغ ويكون عامل مساعد لذلك النصاب الذي يتحايل على الناس ويستميل عاطفتهم وإنسانيتهم.
ودائما ما تجد ممارسي التسول الالكتروني يعملون على اثارة العاطفة والغرائز الإنسانية وصولاً الى هدفهم ، وهذا ما نشاهده من خلال المنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام النصوص الدينية تحث على الصدقة ومساعدة الفقير ، ثم يليها طلب المساعدة لإجراء عميلة جراحية ما او مساعدة يتيم او بأبداء الاحتياج الى مبلغ من المال للايجار أو احتياجات اخرى تتغير بمرور الزمن ، او الادعاء بأنه لا يمتلك سكناً ولديه اسرة كبيرة وغيرها من الطرق التي تجذب الناس وتستدرج عاطفتهم لدفع مبالغ طائلة دون معرفة صحة الادعاء . ان ظاهرة التسول ، بمفهومها الواسع، بصورة عامة لها أبعاد كثيرة ومتنوعة ذات علاقة ارتباطية بالمنظومة المجتمعية لأي مجتمع كان سواء على الجانب الاقتصادي او الاجتماعي او السياسي والقانوي وكذلك الاخلاقي، اذ لا يمكن عزل هذه المشكلة عن المنظومة الكاملة ولها اثار خطيرة سواء على المجتمع او البلد بصورة عامة إذا ما نظرنا لها من جانب انها غسيل اموال او لها ارتباطات اخرى.
على الرغم من الاجراءات الوقائية والاحترازيّة التي تقوم بها الحكومة إلا انها مازالت منتشرة ولها أساليب جديدة مع كل خطوة تقوم بها الجهات الأمنية فهذه الشبكات اصبح لديها حسابات في دول خارج البلد ، وعلى سبيل المثال ما شاهدناه من تواجد لمشاهير التسول (التكبيس) مؤخراً في مباريات كرة القدم وتواجدهم بكثرة واغلبهم من بيوت فقيرة ، فمن كان بالأمس يتسول اليوم ينفق ببذخ واصبح يمثل سمعة بلد قد نخسر بسببهم هؤلاء أثمان باهظة بسبب الاساءة لبلد ما او اشاعة نظرة مغايرة عن مجتمعنا خاصة وان اغلبهم من الدرجة الفاشلة والمنحطة اخلاقياً وغير محكومين بقواعد الأداب والأخلاق التي يتمتع بها المجتمع العراقي.
الحديث عن هذه الظاهرة وخطورتها يطول فهي لها ابعاد لا تقل خطورتها عن خطورة الارهاب وربما كان التسول وكن من اركان الارهاب الذي مر به بلدنا وعانى منّه لسنوات طويلة، بالفعل هو يد من ايدي الارهاب كيف لا وهو يؤثر على اقتصاد البلاد ويؤثر على البناء المجتمعي وله تأثير مباشر على حياة الاسرة بشكل خاصة ، كما تكمن خطورته في أنه غير مكشوف المصادر ولا الاشخاص ولا حتى الدوافع. لذا لابد من تكثيف الجهود وتنظيم آلية تحكم هذه المواقع ويكون هنالك كونترول عالي وتظافر جهود وزارات وهيئات وتأسيس شبكة معلومات اكبر من حجم هذّه الشبكات التي بدأت تنتشر كالهشيم وتدخل كل بيت وتغير مفاهيم مجتمعية وتؤسس لظواهر دخيلة على المجتمع العراقي .