الضربات الأمريكية والإسرائيلية تُعقِّد مهمة الرقابة الدولية على برنامج إيران النووي

روافدنيوز/ متابعة
نشرت وكالة “بلومبيرغ” تقريرًا يسلط الضوء على تعقيد مهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تتبّع البرنامج النووي الإيراني عقب الضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة، مشيرةً إلى أن القصف لم يدمّر البنية التحتية فحسب، بل قوّض أدوات الرقابة وأدى إلى إخفاء مواقع تخصيب اليورانيوم.
وقالت الوكالة، في تقريرها إن قرار الرئيس دونالد ترامب بشن هجوم على ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران ألحق ضررًا محتملًا بالقدرات النووية المعلنة للجمهورية الإسلامية، غير أنه خلق في المقابل تحديًا بالغًا يتمثل في تحديد ما تبقى من البرنامج النووي وأماكن تشغيله.
وأوردت أن ترامب صرّح بأن المواقع المحصّنة “دُمّرت بالكامل” ليلة السبت، إلا أن تحليلات مستقلة لم تؤكد صحة هذا الادعاء حتى الآن. وأضافت أن الضربات لم تؤد إلى نصر سريع، بل عقدت مهمة تتبّع المواد النووية وضمان عدم تصنيع سلاح نووي، بحسب ثلاثة خبراء مطّلعين على البرنامج النووي الإيراني.
وبيّنت أن مفتشي الوكالة ما زالوا متواجدين داخل إيران، وكانوا يجرون عمليات تفتيش يومية لأكثر من موقع قبل بدء الهجوم الجوي الإسرائيلي في 13 يونيو/ حزيران. وهم الآن بصدد تقييم حجم الأضرار، وسط مخاوف من أن يدفع هذا التصعيد العسكري إيران إلى نقل نشاطاتها إلى منشآت سرّية تحت الأرض.
وأضافت بلومبيرغ أن ترامب أمر بإرسال قاذفات شبحية محمّلة بقنابل خارقة للتحصينات، لاستهداف مواقع تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو، وهما موقعان مدفونان تحت الأرض.
وأظهرت صور التُقطت عبر الأقمار الصناعية يوم الأحد لموقع فوردو، ونشرتها شركة متخصصة في تقنيات الفضاء، فوهات جديدة وانهيارات محتملة في مداخل أنفاق، إلى جانب ثقوب في قمة الجبل.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصور تُظهر أيضًا أن مبنًى داعمًا كبيرًا في الموقع، يُعتقد أنه يُستخدم للتحكم في نظام التهوية داخل قاعات التخصيب، لم يتعرض لأي أضرار، مؤكدةً في الوقت ذاته، نقلًا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عدم تسجيل أي تسرب إشعاعي في الموقع.
وقالت بلومبيرغ إن صورًا جديدة لموقع نطنز تُظهر حفرة جديدة يبلغ قطرها نحو 5.5 أمتار، وقالت شركة “ماكسار” في بيان إن الحفرة ظهرت بوضوح في التربة فوق جزء من منشأة التخصيب الواقعة تحت الأرض. إلا أن الصورة، بحسب الشركة، لا توفر دليلًا قاطعًا على أن الضربة اخترقت المنشأة المدفونة على عمق 40 مترًا والمحصّنة بغلاف من الخرسانة والفولاذ بسُمك 8 أمتار.
من جانبه، صرّح الجنرال دان كين من سلاح الجو الأمريكي، في مؤتمر صحفي الأحد، بأن “تقييم الأضرار النهائية سيستغرق بعض الوقت”. في المقابل، لم يتمكّن مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التحقق من موقع مخزون إيران من اليورانيوم شبه الجاهز للاستخدام العسكري منذ أكثر من أسبوع، بعدما أقرّ مسؤولون إيرانيون بإزالة الأختام التابعة للوكالة ونقل المواد إلى موقع غير معلن.
وفي السياق ذاته، قالت داريا دولزيكوفا، الباحثة البارزة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إن احتمالات تعزيز إيران تعاونها مع الوكالة عقب دخول الولايات المتحدة إلى الحرب “ضئيلة للغاية”.
وأضافت: “السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن تستنتج إيران أن الشفافية والتعاون لا يُجديان نفعًا، وأن بناء منشآت أعمق وغير معلنة هو الخيار الأكثر أمانًا لتفادي ضربات مماثلة في المستقبل”.
ونقلت الوكالة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية دعت إلى وقف الأعمال القتالية لتمكينها من التعامل مع الوضع، فيما أعلن المدير العام للوكالة، رافائيل ماريانو غروسي، أن مجلس حكام الوكالة، المكوّن من 35 دولة، سيعقد اجتماعًا يوم الإثنين في فيينا.
وأوضحت أن صور الأقمار الصناعية، قبل التدخل الأمريكي، أظهرت أن القوات “الإسرائيلية” لم تُحقق سوى نجاح محدود بعد أربعة أيام من بدء القصف، إذ اقتصر الضرر في المنشأة المركزية في نطنز — الواقعة على بُعد 300 كيلومتر جنوب طهران — على ساحات مفاتيح الكهرباء والمحولات.
وأضافت بلومبيرغ أن الولايات المتحدة شاركت في قصف مركز أصفهان للتكنولوجيا والأبحاث النووية، الواقع على بُعد 450 كيلومترًا جنوب طهران، وذلك عقب إعادة تقييم الوكالة الدولية للطاقة الذرية للأضرار التي تسببت بها “إسرائيل” هناك. ووفقًا لتقرير نُشر مساء السبت، أظهرت الصور الفضائية ومراسلات الوكالة مع نظرائها الإيرانيين أن المنشأة تعرضت لـ”أضرار جسيمة”.
وأشارت إلى أن الصور الحديثة تكشف الآن عن دمار واسع النطاق بعد القصف الأمريكي، بما في ذلك مجموعة من المباني الصناعية التي كانت صحيفة بلومبيرغ قد حددتها الأسبوع الماضي، والتي حذّرت في حينه من احتمال تسبب تدميرها بـ”تلوّث إشعاعي وكيميائي داخل المنشآت المستهدفة”.
وبيّنت الوكالة أن المهمة الأساسية للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقوم على تتبّع كميات ضئيلة من اليورانيوم في أنحاء العالم، لضمان عدم استخدامها لأغراض عسكرية. غير أن القصف الأخير فاقم من صعوبة تتبّع اليورانيوم الإيراني، وفق ما أكده طارق رؤوف، الرئيس السابق لمكتب التحقق وسياسة الأمن في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال رؤوف: “سيكون من الصعب للغاية الآن على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تُقيم توازنًا ماديًا لحوالي 9000 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب، لا سيما نحو 410 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 بالمئة”.
وكان المفتشون قد أقرّوا الأسبوع الماضي بفقدانهم القدرة على تتبّع موقع مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، بسبب الهجمات العسكرية المتواصلة التي تشنّها “إسرائيل”، والتي تُعيق عمل فرق التفتيش.