قمر تجسس اصطناعي يثير الجدل: “عين عسكرية” إسرائيلية فوق العراق ودول أخرى!

بغداد/ روافدنيوز
في تصعيد لسباق التسلح التكنولوجي في المنطقة، أعلنت إسرائيل قبل يومين إطلاق القمر الاصطناعي التجسسي الجديد “أفق 19″، في خطوة وصفتها بأنها رسالة موجهة لخصومها وأعدائها كونهم تحت المراقبة الدائمة.
وقد بدأ القمر، الذي جاء بعد الحرب على غزة والمواجهة مع إيران في إرسال بيانات أولية، وخضع لاختبارات، ثم سيُنقل تشغيله لوحدة الاستخبارات البصرية والجغرافية المكانية في الجيش.
وأعلن الجيش أن القمر الاصطناعي مزوّد بتقنية رادارية متقدمة تسمح بالرصد على مدار الساعة، وفي مختلف الظروف الجوية، ومخصص لتوسيع المراقبة في الشرق الأوسط، بما يشمل إيران واليمن وغيرهما من دول المنطقة، بما فيها العراق ومصر وسوريا وصولاً إلى تركيا.
وتخطط إسرائيل لنشر 20 قمراً صغيراً آخراً لتوفير تغطية شاملة أمنية للمنطقة، بما فيها رصد الأنشطة النووية والصاروخية، وإعطاء إنذارات مبكرة عن عمليات إطلاق صواريخ باليستية، خاصة بعد كشفها عن جمع 12 ألف صورة فضائية للأراضي الإيرانية إبان توجيه ضرباتها الأخيرة في يونيو/ تموز 2025.
وقد خلف إطلاق القمر التجسسي الجديد موجة ردود أفعال داخل المختصين في إسرائيل، الذين اعتبروه اختراعاً لا يملكه أحد في المنطقة وربما في العالم، وهدفه حماية الأمن العام.
الأهداف الاستخبارية العسكرية للقمر
في الثاني من سبتمبر/ أيلول 2025 أطلقت إسرائيل من خلال وزارة الحرب والجيش وصناعات الفضاء، قمرها الصناعي التجسسي الجديد المسمى “أفق 19″، وقد أُطلق من قاعدة بالماخيم لسلاح الجو، باستخدام منصة الإطلاق “شافيت”، وهي منصة يُمكن استخدامها لإطلاق صواريخ في الفضاء التي تمتلكها إسرائيل.
وكشفت قناة 12 أنه بعد وقت قصير من الإطلاق، دخل القمر الصناعي مداره حول الأرض، وبدأ بإرسال البيانات، واجتاز سلسلة من الاختبارات الأولية الناجحة، حيث يتمتع بقدرات متطورة استنادًا للخبرة التي اكتسبتها المؤسسة العسكرية وصناعات الفضاء بتطوير سلسلة أقمار المراقبة المتطورة “أوفيك” التي أُطلقت للفضاء بدءًا من عام 1988.
وأضاف أن القمر الجديد يستخدم الرادار بسرعة ثمانية كيلومترات في الثانية لإنتاج هوائي اصطناعي على طول مساره، باستخدام موجات الراديو لرسم صورة عالية الدقة للسطح، بغض النظر عن حالة الطقس، ويمكن له التقاط الصور ليلًا، وفي الظروف الجوية الصعبة.
وتمتلك إسرائيل عددًا كافيًا من الأقمار الصناعية في الفضاء فوق عدة أهداف، مما يتيح مراقبة فورية في أي لحظة، كما يسمح تطوير الرادارات والصور بتحليل وتقييم التغيرات التي تحدث في الأهداف في الوقت الفعلي، وبالتالي يمكن اتخاذ القرار.
من جهتها أوضحت وزارة الحرب أنها أمام قمر مراقبة راداري متطور، صمّمته وصنعته صناعات الفضاء بالتعاون مع وحدات الجيش، والقوات الجوية، حيث يلتقط صورًا من ارتفاع 500 كيلومتر، ويدور حول الأرض مرة كل 90 دقيقة.
وأضافت أنه يعزز السيطرة الإسرائيلية الاستخبارية الفضائية على الشرق الأوسط، ويتمثل هدفه الرئيسي بتوسيع قدراتها على المراقبة لتشمل دولا بعيدة، لأنه يتمتع بقدرات جديدة لم تتوفر من قبل، وهو ثاني إطلاق قمر صناعي خلال شهرين، ففي يوليو أُطلق قمر الاتصالات “درور 1” إلى الفضاء، وفقا لما كشفه موقع سيروجيم.
ردود فعل إسرائيلية
اعتبرت الأوساط العسكرية والأمنية الاسرائيلية إطلاق القمر الصناعي الجديد، مرحلة جديدة في السيطرة الأمنية والاستخبارية على دول المنطقة، وقد تجلى ذلك في أهم ردود الفعل الصادرة، ومنها:
الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ اعتبر إطلاق القمر دليلا على رؤية القدرات الهائلة للصناعات الإسرائيلي، لأن سنوات من العمل تُثمر عن نتائج شاملة، مثيرة، مُركزة، تصل لآفاق لا يُمكننا حتى تخيلها، وبالتالي فلسنا مجرد دولة ناشئة، بل دولة فضائية، حيث يوجد مستقبل البشرية، وهناك قدرات استراتيجية بالغة الأهمية لهذا، لاسيما في المجال الذي نشارك فيه.
وزير الحرب يسرائيل كاتس وصف الحدث بأنه “إنجاز رفيع المستوى”، زاعما أن القمر يوجه رسالة واضحة للأعداء بأننا “نراقبكم في جميع الأوقات والظروف”.
بوعاز ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الجوية، كشف في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت، أن الهدف الأساسي للقمر الحالي هو المراقبة الأمنية لما تعرف بـ”دول الدائرة الثالثة”، وتشمل إيران واليمن وباكستان وتركيا ودول القرن الأفريقي، بجانب الدول المجاورة لإسرائيل مثل مصر وسوريا والأردن والسعودية والعراق، وهناك ربط حتمي بين قدرات القمر الجديد بنتائج الحرب مع إيران، لأنه يتيح نقل المعلومات من الفضاء مباشرةً إلى الجنود على الأرض أو إلى الطيارين في السماء، ويوفر صورًا بصرية ورادارية، مما يُعزز المراقبة من الفضاء، مما يمنح إسرائيل رؤية استخباراتية أفضل للدول المعادية مثل إيران واليمن.
المدير العام لوزارة الحرب، الجنرال أمير برعام، أكد في لقاء مع موقع ويللا، أن إطلاق القمر يمنح إسرائيل قوةً مضاعفةً هامةً للقدرات العملياتية للمؤسسة العسكرية، إنه جهدٌ هائلٌ قاده مئات الأشخاص، وأظهرت لنا الحربين في غزة وإيران أن الحرب الحديثة تجري أيضًا في الفضاء، والحاجة لتوسيع وتعزيز سيطرتنا على الفضاء هدفٌ محوريٌّ في استراتيجيتنا العسكرية، وفي العقد القادم، سنستثمر مليارات الدولارات في بناء كوكبة من الأقمار الصناعية في الفضاء، مما سيسمح لنا بمراقبة كل نقطة في الشرق الأوسط في أي وقتٍ، وفي آنٍ واحد.
رئيس عمليات الفضاء والأقمار الصناعية في وزارة الحرب، الجنرال داني غولد، اعتبر في تصريح نقله موقع كيكار، أنه بعد النجاحات غير المسبوقة التي حققتها اسرائيل في الحرب على إيران، وشملت التقاط أكثر من 12 ألف صورة فضائية لأراضيها، فإن القمر الجديد مزود بقدرات جمع بيانات تُعدّ من أحدث التقنيات العالمية، لأن الفضاء بُعدٌ قتاليٌّ ستزداد أهميته في السنوات القادمة، والقمر الحالي يُحدث نقلة نوعية في العمليات والتكنولوجيا للحفاظ على تفوق إسرائيل الفضائي، وتعزيزه خلال العقود القادمة.
رئيس إدارة الفضاء في إدارة الفضاء والطيران التابعة لوزارة الحرب، آفي بيرغر، أكد في لقاء مع القناة 13 الإخبارية، أن إطلاق القمر يمثل نقلة نوعية في القدرات الأمنية والتكنولوجية لإسرائيل في الفضاء، ويضمن استمرار الاستقلالية التشغيلية والمرونة الاستراتيجية في المجال الاستخباراتي، وأظهرت النتائج التشغيلية للحربين في غزة وإيران على ضرورة الحفاظ على تفوقنا الأمني في الفضاء، لأنه يُوسّع القدرات الاستخباراتية للجيش بشكل كبير، ويُمكّن الدولة من الحفاظ على تفوقها التشغيلي في الساحات البعيدة والقريبة على حد سواء.
قائمة الدول المرشحة للرصد والتجسس
كشفت قناة 13 أن للقمر الجديد “عيونًا إضافية” للاستخبارات الإسرائيلية في الفضاء، لرصد أهداف جديدة في إيران واليمن، وساحات أخرى، دون ذكرها، ونقل هذه المعلومات إلى الوحدة 9900 في شعبة الاستخبارات العسكرية (MIB)، وهي متخصصة في جمع المعلومات الاستخبارية البصرية من الأقمار الصناعية، وتُعد مركزًا رئيسيًا لتحليل المعلومات الاستخبارية المستندة لبيانات الأقمار الصناعية، وتساهم بشكل مباشر في دعم البرامج العسكرية واتخاذ القرارات الأمنية.
أما موشيه غلانتس أستاذ علم الفلك، وذو خلفية غنية وسنوات من الخبرة، وأحد أبرز المتخصصين في مجاله في إسرائيل، فلم يتردد في الاعتراف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، أن الأقمار الصناعية الإسرائيلية تمرّ فوق منطقة الشرق الأوسط بشكل أكثر تكرارًا، وبزوايا مختلفة عن الأقمار الأخرى، مما يوفر منظورًا فريدًا، وقدرات تشغيلية لافتة، ويمنحها ميزة استراتيجية.
لقد شكل إطلاق القمر الجديد ضجة إعلامية عالمية، لأنه أظهر إسرائيل من بين خمس قوى عالمية قادرة على إنتاج قمر صناعي للمراقبة والتجسس، وإطلاقه على صاروخ ومنصة إطلاق مصنعة بشكل مستقل.
بل إن إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تطلق أقمارًا صناعية عكس اتجاه دوران الأرض، حتى لا تسقط في دولة عربية معادية في حال حدوث عطل، مما يزيد من أهمية هذا الإنجاز.
لكن أودي عتصيون، محلل الصناعات العسكرية في موقع ويللا، كان له رأي مختلف بعيد عن الاحتفالات الاسرائيلية بإطلاق القمر، فعلى أرض الواقع، لا يوجد ما يُحتفى به، حسب قوله، لأن المشروع يعاني من نقص التمويل.
وأضاف أنه وعلى عكس صواريخ “آرو” والذخائر الدقيقة الأخرى ضد إيران، لم يحصل بعد على زيادة في الميزانية، رغم أنه يزيد من وتيرة زيارات “العيون” الإسرائيلية للنقاط الأمنية العسكرية الرئيسية في المنطقة، ويفعل ذلك على مدار 24 ساعة في اليوم.
وتبلغ تكلفته حسب المصدر نفسه 100 مليون دولار، ويقدر عمره بـ10-15 عامًا، ويقترب وزنه من 380 كيلوغرامًا، ويمكنه تصوير أجسام أصغر من 50 سنتيمترا من الفضاء: ليلًا ونهارًا.
الحاجة الإسرائيلية بعد حرب غزة
ربطت إسرائيل بين إطلاق القمر الحالي ونتائج الحرب مع إيران بوصفها أول حرب فضائية لها، وجمعت أقمارها الصناعية معلومات استخباراتية عنها من مئات الكيلومترات، واستخدمت الطائرات المقاتلة التي لحقت بها الاتصالات عبر الأقمار الصناعية.
وقالت إن الأقمار الاصطناعية اعترضت منظوماتها الدفاعية الصواريخ الإيرانية في الفضاء، ولأن الحرب دارت على بُعد 1500-2000 كيلومتر، فقد لعبت أقمار المراقبة عنصرًا أساسيًا، واليوم فإن القمر الجديد سيجعل الشرق الأوسط في متناولها.
ويؤكد الاسرائيليون أن أقمار المراقبة لا تبقى ثابتة في مكان واحد في السماء كأقمار الاتصالات: فهي تدور حول الأرض مرة كل 90 دقيقة، وفي كل مرة تبقى فوق الشرق الأوسط لمدة 10 دقائق، ويمكنها خلالها تصوير عدة أهداف، وإرسال الصور الجديدة لوحدة الأقمار الصناعية التابعة لجهاز الاستخبارات.
ورصد إيتاي غال، مراسل التكنولوجيا والطيران لصحيفة معاريف، ويخدم في جيش الاحتياط كطبيب عسكري، رصد ما يحمله القمر الجديد من مميزات أمنية توفر لإسرائيل قدرة استخباراتية ثاقبة للغاية ضد الدول المعادية.
وقال إنه من خلال هذا القمر، وما سبقه من أقمار، وسّعت إسرائيل نطاق تغطيتها الاستخباراتية في المنطقة، لاسيما في لبنان وسوريا والعراق وشمال أفريقيا، وطوّرت قدراتها على جمع معلومات حساسة عن التحركات العسكرية لهذه الدول.
من جهته أكد البروفيسور دان بلومبرغ، الرئيس السابق لوكالة الفضاء الإسرائيلية أن الدولة تحتاج لهذا القمر بهدف رصد وفهم ما يحدث خارج حدودها، مما يتيح لها الحصول على صورة آنية لأوضاع الدول القريبة والبعيدة، واستخدام المعلومات لأغراض أمنية وعسكرية، ورغم أن إطلاق مثل هذا القمر ليست أداة استخباراتية فحسب، بل رسالة للعالم حول القدرات العلمية والهندسية لإسرائيل، لكنها تطلقها بالدرجة الأولى لأسباب أمنية وعسكرية، حيث توفر أقمار المراقبة معلومات حيوية عن الدول المعادية، وتحمي الجنود، وتمنع المفاجآت.
مع العلم أنه خلال حربي غزة وإيران، كان نظام الأقمار الصناعية شريكًا كاملاً في الأنشطة العملياتية، وأضاف مستوىً هامًا للقدرات الاستخباراتية للدولة في ساحات القتال، وفي المناطق “النائية”، دون أن يذكرها، من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية بشكل مستمر، ومرافقة الضربات العملياتية، وتوفير اتصالات أساسية عالية التوافر لدعم منصات الهجوم.
وهذا ما أكد حسب المتحدث على أهمية السيطرة على الشرق الأوسط بأكمله من الفضاء، وهو ما ذكره دين شموئيل إلماس مراسل مجلة غلوبس الاقتصادية.
الهدف الاسرائيلي من القمر
كشف البروفيسور يتسحاق بن يسرائيل، رئيس وكالة الفضاء السابق، ورئيس مركز الأمن السيبراني بجامعة تل أبيب، كشف في مقابلة مع صحيفة إسرائيل اليوم، أن القمر الجديد يهدف لتصوير مناطق الشرق الأوسط التي يمر فوقها، ونقل المعلومات الاستخباراتية التي يجمعها لمراكز فك التشفير في الدولة، دون استخدام كاميرا بصرية عادية، بل باستخدام رادار يعمل بترددات تسمح بتمييز أدق التفاصيل، ليلًا ونهارًا، وفي جميع الأحوال الجوية، حتى من خلال السحاب، مما يمنحه مزايا غير متاحة لمعظم دول العالم، باستثناء القوى العظمى.
وأشار إلى أن بدايات تطوير الأقمار الصناعية الفوتوغرافية في إسرائيل حدثت أوائل الثمانينيات عقب توقيع معاهدة السلام مع مصر، للتأكد من نزع سلاحها في سيناء، واليوم أظهرت إسرائيل من خلال هذه الأقمار قدرة استثنائية لسلاح الجو، الذي يعتمد على معلومات استخباراتية عالية الجودة آنية، لاسيما في ظلّ وجود إيران والحوثيين في اليمن على بُعد آلاف الكيلومترات منها.
وزعمت ليلاخ شوفال المراسلة العسكرية لصحيفة إسرائيل اليوم، أن هذا القمر يشكل قفزة في صناعة الأقمار الصناعية الإسرائيلية، لأنه سيقدّم دقة محدودة فقط، ويحسّن جودة الصور المنقولة، بجانب القدرة البصرية باعتماده على تقنية الرادار التي تنقل الموجات الكهرومغناطيسية، وتستقبل انعكاساتها من الأرض.
ولأنه لا يعتمد على ضوء النهار، فإنه سيتيح للمخابرات الإسرائيلية، ولأول مرة، استلام المعلومات على مدار الساعة، وفي جميع الأحوال الجوية.
ورغم أن إسرائيل لا تُعلن علنًا عن عدد أقمارها الصناعية النشطة، ولكن من خلال تقارير إطلاق الأقمار الصناعية، واحتراقها في الفضاء، يُمكن الاستنتاج أنها تُشغّل ثلاثة أقمار تجسس على الأقل، بدقة عشرات السنتيمترات لكل بِكْسِل.
أحد المسؤولين المشاركين في مشروع القمر الجديد، وصف اللحظات الدرامية لإطلاقه قائلاً إن الحاضرين شاهدوا في غرفة التحكم نظامًا تكنولوجيًا معقدًا ينطلق للفضاء، بهدف تحسين الصورة الاستخباراتية لمنطقة حساسة ومتوترة مثل الشرق الأوسط، مما يجعل إسرائيل من الدول القليلة في العالم التي تمتلك قدرات إطلاق أقمار صناعية متطورة بشكل مستقل.
وفي الأيام المقبلة، سيستمر اختبار القمر في المدار، وعند اكتمال الاختبارات، سيتم دمجه في النظام التشغيلي لنظام الدفاع، بهدف الحفاظ على تفوقها الاستراتيجي في المنطقة، وتزويدها بمعلومات استخباراتية عالية الجودة ودقيقة، حتى في أوقات التوتر المتزايد، وهو ما نقله عنه عاميت روزنبرغ المراسل العسكري./انتهى